الجمعة، 29 نوفمبر 2024

فيلم المعجزة عن مجموعة قصصية خمارة القط الاسود لنجيب محفوظ

 سياحة فى عقل الرقابة 

——————————-

بعدقرار  منع فيلم ( المعجزة ) من العرض فى مهرجان الجونة الأخير ، فقد دفعنى الفضول للاطلاع على قصة الفيلم المأخوذة من المجموعة القصصية ( خمارة القط الأسود ) لأديب نوبل نحيب محفوظ ، محاولا الاجتهاد فى الوقوف على السبب المحتمل لقرار الرقابة بالمنع 

خاصة وأن هذا القرار بالمنع قد سبقه ، بأشهر قليلة ،  قرارٌ  آخر بمنع فيلم الملحد  ، علما بأن كلا الفيلمين كان قد سبق إجازتهما بمعرفة الرقابة ، ولكن يبدو أن المؤسسة الدينية ، وكالمعتاد ، لابد أن تكون لها الكلمة الأخيرة  بقرار فرض  الوصاية على عقول المصريين بالمنع او بالمنح  ، وذلك فى مشهد  يثير الكثير من الأسي على أحوالنا ، ونحن نعيش فى عصر ثورة المعلومات والذكاء الاصطناعى ، حيث تكون مصطلحات مثل الرقابة والمنع وفرض الوصاية ليست بذات معنى بعدما تجاوزتها الأحداث ، وشيعتها الى مثواها الأخير ، ولكننا لازلنا نحتفى بها حتى الآن ، بعدما  أصبحنا خارج الزمن 


والآن إلى قصة ( المعجزة ) :

القصة تحكى باختصار ،  عن رجل  ، محدود الثقافة والمعرفة ، اعتاد على أن يقضى وقت فراغه دائما فى  إحدى   الحانات ، وذات مرة ، ومنعا للملل، قرر أن يشغل نفسه بلعبة  ، من طرف واحد ، مع الساقى ، إذ عنّ له أن يسأله عن شخص وهمى اختار له اسما ثلاثياً عجيبا نادر التكرار ، فرد الساقى بعدم معرفته ، ولكن المفاجأة ، أنه ، وبعد لحظات من حواره مع الساقى ، سمع صاحب الحانة وهو يمسك بسماعة التليفون مناديا على اسم هذا الشخص  الوهمى ،  لأن أحداً يطلبه على التليفون ، وبالطبع لم يحب أحد 

فأصاب الرجل ذهول من فرط المفاجأة ، هل تكون مصادفة ؟ وبالطبع احتمال المصادفة هنا بعيد  تماما عن المنطق ، فبدأ يتأمل فى ذاته ، ويقول ربما انه يتمتع بموهبة خارقة ، فقرر أن يعيد التجربة مرة أخرى ، مع البحث عن شخص أخر اختار له اسما أعجب وأغرب ، وغير متداول ، ومثل المرة السابقة أفاد الساقى انه لايعرفه ولم يسمع به من قبل ، وهنا تأتى المفاجأة فقد جاءه الساقى بعد لحظات ، يطلب منه ان يتوجه الى التليفون لأن الشخص الذي كان يسأل عنه   يطلبه على التليفون ، فكاد ان يتشاجر مع الساقى غير مصدق ، وسأله كيف يعرف الطالب انه موجود هنا فرد الساقى انه عندما طلب الحانة سأل صاحبها إن كان هناك من الحضور من  يسأل عنه ،  فجاءه الساقى يطلب منه التحدث اليه لانه يعرف انه كان يسأل عنه منذ لحظات ، فقام متثاقلا الى التليفون وانهى المكالمة بسرعة ، وعاد الى مقعده وهو على حال من الصدمة والذهول محاولا ان يفهم ماحدث ، وغادر مقعده سريعا وهو على قناعة ان ماحدث لا يمكن ان يكون مصادفة ، وانها معجزة  وان التفسير الوحيد هو انه يتمتع بقوة خارقة للطبيعة يعرف بها الغيب ، ويتنبأ  بحدوث الوقائع قبل وقوعها ، وبدأ يقنع نفسه بذلك ، وهو على حال من الزهو ، وهنا قرر ان يغير حياته تماما تبعا لهذا التحليل ، وهو انه ( فيه شيء لله ) ،  كما افاد شيخ الجامع بعدما استمع الى حكايته ، واعطاه كتبا تراثية دينية يقرأها كى يعد نفسه ليكون من اولياء الله اصحاب المعجزات والكرامات 

ولكنه فى ذات الوقت ، قرر أن يجرب  موهبته مرات ومرات بعد ذلك ولكنها كلها باءت بالفشل فأخذ يزداد توترا واحباطا لأن ذلك سوف يفسد مشروعه ، وبعدما مر على حانات كثيرة ، كان يتعمد ألا تكون حانته الاولى من بينها ، فشل فيها كلها قرر ان يعود الى حانته الاولى مرة اخرى ، واخذ مكانه المعتاد ، فإذا بأحد السكارى على الطاولة القريبة منه يتودد اليه ويقترب منه ويحاول التحدث اليه ، وكان حديثا عرف من خلاله ان هؤلاء السكارى كانوا يسمعونه وهو يتحدث الى الساقى فقرروا أن يمارسوا عليه هذه اللعبة ، عن طريق تليفون الحانة ، وان القصة كلها لم تكن الا لهوا تلاعب به السكارى من خلاله ، فغضب غضبا شديدا وامسك بتلابيب هذا السكران الذي أجهض حلمه ، وكاد ان يفتك به لولا ان كان هذا السكران أسرع منه ، واستطاع أن يقضى عليه ، وبعدها سقط مضرجاً فى دمائه 

 

انتهت القصة 

يبدو أن اديب نوبل اراد ان ينبه جمهوره الى أكذوبة الخرافات والكرامات المنسوبة إلى الذين أطلق عليهم العامة أنهم أولياء الله ، والتى أصبحت شائعة فى رؤوس ومعتقدات الناس ، وأنه ليس هناك خوارق ، وان لكل  حدث  وقع ، سببا منطقيا وماديا وراء حدوثه ، مهما بدا غريبا  ومذهلاً  ويستعصى وقتها على التفسير  العقلى ، ويبدو كذلك ، أنه يريد أن يحذرهم من الدجالين المتمسحين فى الدين الزاعمين انهم اصحاب كرامات وقدرات خارقة ، تهتز تحتها نواميس الكون وقوانين الطبيعة 

وبالطبع يستطيع اى قاريء آخر أن يخلص إلى مفهوم آخر 


وبعد 

فهذا مافهمته ، وأظن أن صناع الفيلم ، كذلك ، قد أبرزوا هذا المعنى ، وهو معنى يصب فى الهدف من تنوير العقول ، والحث على إعمال العقول ، بدلا من السقوط فى عوالم الخرافة والشعوذة وتغييب العقول التى لابد أن تنتهى بكارثة 

ويبقي السؤال 

ماهو بالضبط الذي أثار حفيظة الرقيب ، ودفعه إلى قرار منع الفيلم ؟ 

لست أدرى

    /منقول عن الاستاذ 

مدحت زايد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق